رشا - ابنة
من حقنا أن نعرف وين اهلنا أحياء أو اموات , اصحاء أو مرضى ارحمو من في الارض يرحمكم من في السماء وكل واحد يحط حالو محلنا ويجرب مجرد الشعور بفقدانه أمه كيف يهنأله العيش و اين ضميره وخوفه من رب العالمين الذي لايغفل عن عبادة وخصوصا الظالمين و القتله وقساه القلوب وان الله يمهل و لايهمل .
رشا - ابنة
عند حديثي عنها، لا أعلم ما هو مصير أمي، لا نعلم ان كانت مخطوفة أو مأسورة أو مقتولة وأشعر أحياناً كثيرة بأن أمي تناديني وتقول لي: "ابحثي عني فأنا ما زلت موجودة". وهذا الشعور ينتابني كثيراً ولا أزال أشعر بذلك إلى يومنا هذا.
الجميع يقول لي "اختفاء والدتك قد مرّ عليه حوالي الثلاثين عامًا. لماذا ما زلت تبحثين عنها؟" ولكنها أمي! إنها أمي! حتى لو فرضًا اكتشفت في يوم من الأيام أنها لا تزال على قيد الحياة وأصبح لديها أولاد وتعيش حياة هنيّة، لن أحزن بل على العكس، سأتفهم. ولكن على الأقل، كل ما أريد معرفته هو: أيوجد قبر أو لا يوجد قبر؟ أي هل أمي على قيد الحياة أم لا؟ وهذا أضعف الإيمان.
كنت أحلم سابقًا بأني سوف أجدها وسوف أسعد وسنحيا أنا وهي معًا وسنعوّض الوقت الذي ضاع. ولكن الآن لا، انخفض سقف أحلامي طبعًا، لأنه ومع مرور الوقت تجدين نفسك مجبرة بأن لا تتأملي بهذه الأمور. ولكن لا يستطيع الشخص أن ينفي أن هذا الكائن (أي الوالدة) هو بني آدم وهو رأس حياتك، فالأم والأب هما رأس حياة الإبن(ة)، لا يستطيع أي شخص أن يرميهما في القمامة.
ماذا سأقول لها ؟ ماما لو ترجع الايام لورا وبخيروني بين الحياة وبينك اكيد بختارك انتي . انت الدفا و الامان و الحنان انت الحضن اللي مستحيل الواحد يستغني عنو او يبدل باي شي بالدنيا . صدقيني كل ما بنام على مخدتي كل يوم بدعي ربنا لو ارجع شوفك لو بس يوم شمك وضمك واغفى بحضنك بحبك على عدد اللحظات اللي غبتي فيها عني ورح ضل حبك ودور عليكي لاخر لحظة بعمري !
رشا - ابنة
أمي كانت جميلة وطويلة القامة. وكانت تحبنا كثيراً. لقد تحدّت أمي أهلها لكي تتزوج من والدي فهم لم يكونوا موافقين على زواجها منه لأنه كان أكبر منها سناً ولديه سبعة أولاد ولأنه من غير طائفة وأهل والدتي فلسطينيين.
يوجد عدّة مواقف مضحكة حصلت بيني وبين والدتي حيث أتذكرها من خلالها. ومنها:
في مرة من المرات كنت مصّرة أن أنظف أذني برأس البُرعُم القُطني (coton tige) وأمي تطلب مني أن أتوقف عن فعل ذلك. هي تقول لي أن أكف عن ذلك وأنا مصّرة على تنظيف أذني، إلى أن أدخلتها إلى داخل أذني، وأحضرت لي طبيب إلى البيت. في ذاك اليوم من كثرة ما تألمت وبكيْت، ذهبت أمي واشترت لي صندالاً كنت قد اُعجبت به كثيراً عندما رأيته من قبل، اشترته لي فقط لتسترضيني وتطيّب خاطري. لن أنسى هذا الصندال في حياتي.
آخر ذكرى معها، أتذكر أنني كنت ألعب في بستان قريب من منزلنا، عادةً ما كنا نلعب فيه. عندما أنهيت من اللعب وعدت إلى المنزل رأيتها على باب المنزل تهم بالرحيل، فسألتها "إلى أين أنتِ ذاهبة؟" ردت قائلة أن والدتها (أي جدتي) مُتعبة كثيراً وهي ذاهبة لزيارتها قليلاً ومن ثم تعود. فقلت لها "لا تتأخري، لأن الوقت قد أصبح ليلاً وأنا لا أستطيع النوم إن لم تكوني موجودة". وهذه كانت المرة الأخيرة التي رأيت فيها والدتي.
رشا - ابنة
ان افتقادك لعنصر من العائلة بحد ذاته هو كافتقاد عضو من اعضاء جسدك فكيف لو كان هذا الشخص هو والدتك وانت في عمر الزهور 5 سنوات واليوم وبعد ثلاثين عام من الفقدان و البحث المستمر والتعلق بخيوط الامل، لا زلنا كذلك لانك تشعر ان امك مسؤوليتك ومن حقك ان تعرف ما حدث لها فأي شعور يصف هذا الشعور !
على الرغم من أنني متعلمة ومثقفة إلا أنه وبسبب الوضع القائم، أي اختفاء والدتي، قد مررت بمرحلة كنت فيها مستعدة أن أصدق أي شخص قد يعطيني أملاً بمعرفة مصير أمي، حتى إنني استعنت بما يُعرف بقارئوا الحظ لفترة. ولكن في النهاية عدت لرشدي وقلت لنفسي "هذا غباء، كيف لي أن أصدقهم هم بالتأكيد لا يعلمون بالغيب". ولكن هذا يدل إلى أي مرحلة يمكن أن يصل إليها الشخص لمعرفة مصير أحبائه المفقودين !
أحد أشقاء أمي اسمه بسام قد قُتل على أيدي أحد الأحزاب اللبنانية في مخيم برج البراجنة. حصل ذلك في شهر رمضان وقبل اختفاء أمي بأربع أو خمس شهور. وخالي هذا كان صورة طبق الأصل عن أمي، ولذلك دائماً ما كانت آلام جدتي هي: كريمان وبسام. فمن كثرة بكائها على كريمان وبسام ضعف نظرها ولم تعد تقدر على الرؤية بشكل سليم في النهاية.
من المحزن أيضاً أن أشقاء والدتي لا يعرفون شيئاً عنها. أحد أشقائها واسمه علي يحبها حباً جما، لدرجة أنه يجب أن أزوره يومياً لأنني أذكره بأمي. وإن مرّ يوم ما ولم أزوره يتشاجر معي. بهذا القدر الكبير يحبها. وهو الذي يساعدني بالبحث عنها ويحاول أن يتذكر أمور قد تساعد في معرفة مصيرها، كما أنه دائماً يشجعني على مواصلة البحث والإستفسار والتحري عن ما قد جرى معها. هو يبلغ من العمر الآن 62 عاماً.